تمثّل الرواشين الخشبية التي تزيّن واجهات مباني ميدان الثقافة في جدة التاريخية عنصرًا معماريًا أصيلًا يُجسد هوية المكان، ويُبرز إبداع الحرفيين المحليين في دمج البعد الجمالي بالوظيفي ضمن مشهد بصري متكامل يعكس العمق المعماري للمدينة.
وتُعد الرواشين جزءًا أساسيًا من الطابع العمراني لجدة التاريخية، وتُصنع بتقنية المنجور القائمة على حفر أنماط هندسية متشابكة في ألواح خشبية دقيقة، تعبيرًا عن موروث ثقافي وحضاري عريق. ويأتي توظيفها ضمن جهود وزارة الثقافة لتعزيز حضور المكونات التراثية في الفضاءات العامة عبر مشروع “ميدان الثقافة”، الذي استلهم تصميمه من الطراز المعماري لجدة التاريخية.
وتتميز الرواشين بأبعادها الجمالية ووظيفتها في التهوية الطبيعية والسماح بدخول الضوء مع الحفاظ على خصوصية الساكنين، ويُرجع ظهورها إلى أواخر القرن السادس الهجري قبل أن تتطور لتصبح أيقونة معمارية لمدن ساحل البحر الأحمر. وتُصنع من أخشاب عالية الجودة مثل التيك والصندل، عبر مراحل دقيقة تشمل التقطيع والتجميع والحفر والتشطيب، ثم معالجتها لضمان صلابتها ومقاومتها للعوامل المناخية. وكانت ألوانها الأصلية هي البني بدرجاته، قبل أن تُضاف إليها ألوان أخرى كاللونين الأخضر والأزرق لتنسجم مع نسيج المباني التقليدية.
ويستحضر “ميدان الثقافة” روح العمارة المحلية بلغة معاصرة عبر إعادة توظيف العناصر التقليدية بأساليب حديثة، إذ استُخدمت تقنية الدفع والسحب في واجهاته لإضفاء مظهر حيوي يحاكي ظلال وحركة مباني جدة التاريخية. كما دمج في تصميمه عناصر تراثية أخرى مثل الشرفات المسقوفة والأقواس الجصية والتيجان الخشبية.
وتشكل الرواشين في ميدان الثقافة عنصرًا محوريًا في مشهد بصري يروي قصة المكان، ويجسد العمارة التقليدية المرتبطة بهوية سكان جدة، بما يعكس إبداع الحرف اليدوية ويدعو الأجيال الجديدة لاكتشاف جماليات التراث واستلهام قيمه، في إطار مبادرات المملكة لصون الموروث وتوظيفه في فضاءات حديثة تواكب مكانة جدة التاريخية وتطلعات رؤية المملكة 2030.
واس