مجموعة من سيارات الشباب تحاصر سيارة العائلة من اليمين واليسار والأمام والخلف، ومن يجرؤ على المواجهة أو النزول من السيارة للتصدي لهؤلاء الوحوش؟!
كان يحكي هذا المشهد وهو يتألم ويتعجب من هذه الظاهرة الفريدة، وكان يقول إن مشكلاتنا لا يمكن أن تُحلّ إلا بالاعتراف بوجودها ثم التصدي لها بكل قوة.
إن مطاردة النساء في الأسواق والشوارع بدأت تزيد من مجرد المعاكسات والمحاولات إلى مسلسل من الرعب قد يتطور إلى الأسوأ إذا لم نبادر بحسم هذا الأمر.
يتساءل صاحبنا بكل حرقة عن السر في وجود هذه الظاهرة في مجتمعنا وعدم وجودها في المجتمعات الأخرى بل وفي مجتمعات مشابهة لمجتمعنا؟
ويتعجب صاحبنا من أن الجهات ذات العلاقة لا تحسن ترتيب الأولويات فهي قد تركز على معرض الكتاب لمنع دخول العائلات مع بعض، رغم أن بإمكان العائلة التوجه بكل ارتياح لدخول إحدى المكتبات التجارية، وهي لا تختلف عن معرض الكتاب.
المهم، يتم التركيز على هذا الجانب ويسرح الشباب المعاكس ويمرح ويضايق خلق الله ونحن نتفرج ونتألم، ونتأسف، ونتعجب ونمارس كل أنواع التعبير إلا نوعاً واحداً وهو اتخاذ قرار حاسم لإيقاف هذه الظاهرة المزعجة والمستمرة مع الأسف.
عندما تخرج العائلة خارج المنزل يسيطر القلق على ولي الأمر حتى تعود العائلة إلى المنزل. لا نريد من يقترح علينا إدخال مادة دراسية في مناهج التعليم لتعليم الأطفال أن المرأة إنسان كالرجل لها حقوق وعليها واجبات، وأن التحرش بها، أو إهانتها، هو سلوك يعاقب عليه القانون لأنه قبل كل شيء مخالفة دينية صريحة.
أما التحرش الهاتفي الذي أشارت إليه الزميلة أمل الحسين فإنه لا يقارن بالتحرش في الأسواق والشوارع، وإذا كان التحرش الهاتفي يمكن السيطرة عليه، ومقاومته، وإيقافه بطرق مختلفة، فإن تحرش الشوارع لم تظهر في الأفق حتى الآن حلول عملية فعّالة تحمي المرأة وتحمي المجتمع من هذا السلوك المتخلف. إن التحرش في العمل أو عن طريق الهاتف سلوك مرفوض ولكنه أقل خطراً من التحرش في الشوارع، ومن المؤسف أن الشباب في الدول المتقدمة يستثمرون أوقات الفراغ لمزاولة أعمال إضافية في الجامعات، والمطاعم، والأسواق، والمكتبات، والمعارض، والفنادق، وغيرها، من أجل اكتساب الخبرة وإيجاد مصدر إيراد مالي يساعدهم على أعباء الحياة، وقد تكون أحد هذه الأعباء المصاريف الدراسية في الجامعة. فالشباب يعمل ويخطط من أجل المستقبل، وليس لديه سيارة فخمة يتفاخر بها أمام نظرائه ويضايق بها عباد الله.
في المقابل نجد الشاب هنا وقد توفر له كل شيء يستثمر بل يضيّع وقت فراغه ووقته كله فراغ في التجول بالسيارة الرياضية في الشوارع بلا هدف سوى التحرش والصيد وكأنه في رحلة قنص!!
لا أتحدث عن الجميع، وأعلم أن هناك من يتهم المرأة بأن لها دوراً في هذه المشكلة وأنها قد تشجع على التحرش، وأعلم أننا مجتمع مسلم متكافل، ولكني أجد على أرض الواقع أننا لا نمارس تعاليم الإسلام لأن هذه التعليمات هي ضد الاعتداء على حريات وكرامات الآخرين.
إن التهمة لا توجّه للرجل فقط، ولكن ماذنب عائلة مسالمة متحفظة عندما تحاصرها الذئاب وماذا تفعل في لحظة المطاردة المجنونة؟
بالأمس قرأت اعترافاً لأحد المسؤولين في فرنسا يعترف فيه أن الشعب الفرنسي شعب متغطرس وأن هذا أدى إلى انخفاض في عدد السياح وطالب بتغيير السلوك الفرنسي.
وأتمنى أن لا نجد غضاضة في الاعتراف بمشكلاتنا لأن الاعتراف بها هو المفتاح الذي يقود إلى حلها، وحيث أننا نرغب في إيجاد الحلول فلنعترف ونتصارح ونتقبّل الملاحظات المزعجة بروح مرنة.