العودة
هناء حجازي
مهرجان القصة القصيرة الذي أقامه أدبي الباحة، كان عرسا، كان فرحا، كان تكريما وتقديرا، كان حبا ومودة. كان أشياء كثيرة أعجز عن وصفها. كان بالنسبة لي شخصيا شيئا أكبر وأهم.
وجهت لي دعوة تكريم كإحدى رائدات القصة القصيرة في المملكة، فكرت في المسألة، وأعرف أنني لست من الرائدات، لكن أعرف أيضا أنه قبل ثلاثين سنة، حين بدأت كتابة القصة القصيرة وانشهرت بها، لم يكن هناك الكثيرات يكتبنها في الساحة.
قبلت التكريم وأنا فخورة، عاد بي الزمن لبداياتي. لا أعرف بالضبط ما الذي دفعني لهذا المسار، كيف سرت فيه، لماذا اخترت الكتابة الأدبية. كيف في غمار دراسة الطب كنت أجد الوقت كي أقرأ وأتابع وأكتب القصة. رد فعل زميلاتي للقصص التي أكتبها وتنشر في الجريدة، منظر الجريدة وهي تنتقل من يد ليد ونحن في قاعة الدرس بانتظار الدكتور المحاضر، كل هذه الذكريات عادت لي وأنا أقرأ بطاقة التكريم.
حين وصلت، ورأيت احتفاء ناس الباحة البهيين بي، زاد فخري بنفسي. التقيت نفسي، هم الذين كانوا يحتفون بي وهم يرددون، أنت ابنة الباحة. وأنا أبتسم لهم وأردد، نعم، يبدو ذلك حقيقيا الآن.
في طريقي إلى بلجرشي، البلد الذي خرج منه جدي الأكبر إلى مكة ومنها إلى بلدان أخرى، ظللت أتنفس الهواء بعمق، أقول، هذا هو الهواء الذي كان يتنفسه جدي قبل أن يغادر. كنت أتأمل الجبال وأسأل، هل سار على هذه الجبال، مشى على هذه الأرض، داس على هذا العشب. تخيلت لو أني استطيع أن أتحاور معه، أخبره عن تكريمي، هل كنت تتخيل أن حفيدتك قد تم تكريمها هنا، عادت إلى بلدك من أجل ذلك. هل أنت فخور يا جدي.
تذكرت جدي لأمي الذي غادر الباحة أيضا، وشرق في بلاد الله، كي يكون سببا أن تتعرف أسرة ابي بأسرة أمي وأكون أنا نتاج هذا التعارف. جدي، المطوع الذي كان يؤمن بحقوق الحيوان، يجري وراء أي سائق عربة يضرب حماره ليضربه ويعلمه الأدب مع الحيوان. جدي الذي كان يطلب من ابنته الكبرى، أمي أن تقرأ له السيرة الهلالية كل ليلة، وكلما أصابها النعاس وتوقفت لتنام، يطلب منها أن تكمل لأن الموضع الذي توقفت فيه مشوق، وهو يريد أن يعرف كيف خرج أبو زيد الهلالي من الموقف الصعب.
هل أنت فخور بي يا جدي. أنا أقف في الأرض التي خرجت منها، أتسلم درع التكريم. وأنا أتذكر حكاياتك التي أخبرتني بها أمي. ابنتك.
تذكرت جداتي، النساء القويات. أنا أحمل جيناتهن، أنا ابنة امرأة قوية، ربتها امرأة قوية. أنا من هذا النسل، من هذه الأرض. أعرف شموخ نسائها، رأيته في أمي. رأيته في جداتي. أنا ابنة هذه الأرض التي لا أعرفها ولم أعش فيها. لكنني أحمل جينات جداتي في عروقي.