أمام خريطة الوطن بكافة أجزائه يتذكر الإنسان المواطن أنه لم يقدم لوطنه كل ما يستحق مقابل ما قدمه ويقدمه الوطن لنا.
أحد جوانب التقصير أن البعض منا يسعى بكل قوته وعلاقاته إلى الاستمرار في مكان عمل واحد في الموقع الذي يتواجد فيه أهله وأقرباؤه.
وعند تعيين الموظف أو المعلم في موقع آخر، وخاصة ما نطلق عليه المواقع النائية فإنه يحاول المستحيل لتعديل ذلك إلى درجة قد تصل إلى عدم قبول الوظيفة.
ولا مانع من الاستشهاد بتجارب دول أخرى ففي الغرب يلاحظ أن الشاب يغتنم فرصة العمل مهما كان موقعها، وينتقل من المكان الأصلي الذي يعيش فيه تدفعه روح المغامرة، والبحث عن تأكيد ذاته، وإيجاد وسيلة للرزق، واكتساب الثقة والاعتماد على النفس إلى جانب التعرف على أجزاء من الوطن واكتساب علاقات جديدة وبناء صداقات متنوعة.
وهناك جانب آخر وهو الجانب الاقتصادي، فالشاب حين ينتقل إلى قرية صغيرة فإنه سيكون قادراً على السيطرة على مصروفاته والادخار للمستقبل على عكس المدينة الكبيرة التي تستنزف الجيوب.
وأما الجانب الوطني وهو العنصر الأهم في هذه القضية فإن تنقل المواطن في مواقع الوطن المختلفة سيجعله يتفاعل مع كافة أبناء البلد، ويتعرف على البيئة ويكتسب معلومات لا توفرها له الكتب. وسيؤدي هذا التفاعل إلى نمو المشاعر الوطنية، والاحساس بالانتماء والوحدة الوطنية التي تجمع أبناء الوطن في أي موقع ليعملوا تجاه أهداف مشتركة.
إن بناء الشخصية من كافة جوانبها يتطلب كسر قيود العادات المسيطرة على حياة الشباب حين تقيدهم في حدود مجتمع ضيق ودائرة ضيقة من المعارف والأصدقاء والعلاقات الإنسانية.
الشاب بحاجة إلى الانطلاق والقفز فوق الحواجز، وتحطيم الروتين الذي يسير عليه ويخضع لسيطرته.
إن فضاء المعرفة، والعلاقات واسع جداً والفرص لا تأتي إلينا في الأماكن التي لا نبرحها بل يجب أن نبحث عنها ونسعى إليها وإذا كنت سأطلب وظيفة في نفس المدينة التي أعيش فيها، وفي نفس الحي، ونفس الشارع الذي يقع فيه منزلي، فالأفضل أن أبدأ مشروعي الخاص وأضع مكتبي في منزلي واعتزل المجتمع.
ولا أدري كيف نطالب بالسعودة وفي نفس الوقت نرفض العمل في بعض المواقع بل ونطالب بالمميزات والحوافز للتعويض، وكأننا نمن على الوطن بخدماتنا.
ولست أدري ما الذي يغري في حياة المدن وهي تعاني من الزحام وغلاء الأسعار، والتلوث البيئي وغيرها من مشكلات المدن الكبيرة المعروفة.
ولكن مهما كان موقع العمل، في المدينة، أو في الريف فهو خدمة للوطن الذي قدم لنا الكثير، وأظن أن انتقال المواطن للعمل في مواقع مختلفة من الوطن هو إسهام في الوحدة الوطنية، والاقتصاد الوطني.