أغوتا كريستوف
هناء حجازي
قرأت في أسبوع واحد سيرة أغوتا كريستوف بالإضافة إلى أربع روايات أخرى لها. أسرني الكتاب الأول الذي قرأته وهو الدفتر الكبير وأكملت حتى قرأت البقية.
أغوتا كاتبة مجرية هاجرت إلى سويسرا في سن الواحد والعشرين هربا من الحرب ومن الشيوعية.
في رواياتها تستطيع أن تتبين مقدار الألم الذي شعرت به طوال حياتها ومقدار الغربة التي لازمتها والتي لم تستطع التخلص منها حتى وفاتها.
كتبت أغوتا كل رواياتها باللغة الفرنسية، اللغة التي اعتبرتها عدواً لأنها كانت غريبة عنها ولأنها لم تستطع القراءة بها حتى بلغت سن السادسة والعشرين، ولذلك عنونت سيرتها بالأمية. « لم أختر هذه اللغة، لقد فرضتها علي الصدفة… مكرهة أنا على الكتابة بالفرنسية. إنها تحد»
وعلى الرغم من أنها كتبت بالفرنسية لكنها تعرف أنها لا تتقنها تمام الاتقان، وأنها تستعين بالمعجم طوال الوقت، وربما ذلك ما جعل كتابتها مقتضبة، عميقة، صريحة، وبلا زوائد أو إغراق في الوصف والعواطف.
في إحدى الروايات تقول: إن الكتاب مهما كان كئيبا، لا يمكن أن يكون بمثل كآبة حياة.
وبالرغم من كآبة كتبها إلا أنها يبدو كانت تعيش حياة أكثر كآبة.
الشعور الطاغي الذي شعرت به بعد الانتهاء من قراءة أغوتا هو الإحساس بالغربة، الفقد، وجع البعد عن الوطن، وتساءلت، هل هذا ما يشعر به كل مغترب، أم أن ما تعرضت له من بداية حياتها هو الذي جعلها غير قادرة على الفرح.
تقول في سيرتها «كيف كانت حياتي لتكون لو أنني لم أهجر بلدي؟ أحسب أنها ستكون أشد قساوة وأكثر فقرا، لكنها ستكون أقل عزلة وأقل تمزقا، ولربما كانت لتكون حياة سعيدة».
لم يستطع بعض الذين هاجروا معها تحمل الحياة الجديدة، هربوا من هول الحروب والديكتاتورية، لكنهم لم يتحملوا قسوة العزلة التي فرضتها حياتهم الجديدة في بلد ينقصه دفء العلاقات الإنسانية، انتحروا، وذكرت ذلك أغوتا في رواياتها.
أصرت على تعلم القراءة بالفرنسية بعد أن أصبح عمر ابنتها خمس سنوات، لأنها تريد أن تقرأ، حيث لم تكن تصل المطبوعات المجرية إلى سويسرا وعدم القراءة كانت قسوة أخرى تضاف إلى القساوات الأخرى التي عانتها تلك الفترة.
توصي أغوتا من يريد أن يصبح كاتبا أن يكتب، ويستمر في الكتابة حتى حين لا يثير الأمر اهتمام أحد.
تقول» نصير كتابا حين نكتب بإصرار وأناة، دون أن نفقد البتة إيماننا في ما نكتبه. أما فيما يختص بالمضمون، تقول حين تصير لا شيء، فقط آنذاك تستطيع أن تصير كاتبا» بمعنى أن عليك أن تفرغ نفسك من كل الإجابات الجاهزة التي تمتلكها، وتفرغ نفسك للأسئلة.
أغوتا كريستوف، كاتبة لم أسمع عنها من قبل، وحين سمعت وقرأت عرفت مجددا لم أنا دائما ممتنة للقراءة. أغوتا كريستوف، كشفت لي كيف يمكن أن تكتب الألم بدون أن تقول آه.