جاء في الشرق الأوسط في عددها 5059 أن مجموعة من الوعاظ غير الرسميين يقومون باقتحام المقاهي في الرياض ويطفئون أجهزة التلفزيون وإلقاء الكلمات الوعظية على الشباب مرتادي هذه المقاهي.
نحن هنا أمام حالة تستحق التوقف والتأمل، والمناقشة الهادئة. ولاشك ان الوعظ واجب وعمل خيري، ولكن من غير المتوقع ان يستمع إليك أحد إذا استخدمت معه أساليب لا يرتاح إليها.
وإذا لم يتوفر شرط حسن الاستماع فكيف تتحقق الاستجابة؟ إن الاتصال الإنساني لا ينجح إذا ما تم استخدام الوسيلة الخطأ، أو الأسلوب غير المناسب!
وفي مسألة النقد يتعذر أن يكون له تأثير في تعديل السلوك إذا كان النقد يوجه إلى الشخص صاحب السلوك وليس إلى السلوك نفسه. وينصح علماء التربية الآباء والأمهات بالتركيز على سلوك الطفل ووصفه بأنه سلوك خاطئ بدلاً من وصف صاحب السلوك بأنه غبي، أو جاهل.
وفي عالم الكبار يمكن تطبيق هذا المبدأ كما يمكن ملاحظة ان بعض حوارات الكبار تخرج عن الموضوعية وتصبح عملية تبادل للاتهامات والتعريض الشخصي وليس عملية حوار أفكار، وهذا يقودها إلى ان تنتهي بلا نتيجة مفيدة.
في مسألة الوعظ لابد أن هناك شروطاً يجب توفرها في الوعاظ ولا أظن ان دافع الرغبة في العمل التطوعي أمر كاف لتأهيل الواعظ.
ومن أهم العناصر البديهية المطلوب توافرها في الواعظ تمكنه العلمي ومستوى ثقافته، وهذه أيضاً غير كافية ولا تكتمل إلا بتوفير مهارة الاتصال الإنساني والقدرة على التفاعل مع الآخرين، والمهارة اللغوية المدعمة بالحكمة، والإلمام بفن الحوار، وأساليب الإقناع. هناك في علم الاتصال مرسل ورسالة ومستقبل للرسالة، ومجرد إرسال الرسالة لا يعني إنها وصلت وإن وصلت بصورة شكلية أو مادية لأن الاتصال الفعال لا يتحقق إلا بفهم الرسالة وترجمتها إلى سلوك.
إن مراجعة أساليبنا في الوعظ والنصح والإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تعني الاعتراض على المبدأ نفسه، ولكن الأساليب والوسائل تظل دائماً قابلة للتحديث والتطوير نحو الأفضل ولابد أن ترتقي الوسيلة إلى مستوى الرسالة المراد ايصالها حتى يتحقق الهدف المنشود.
وقد يتضح لنا بعد المراجعة ان الأسلوب المباشر، أو الأسلوب المغلف بالتهديد غير مؤثر في تعديل السلوك، ولا أستطيع ان استند الآن إلى دراسة علمية لتأكيد ذلك، والقضية من الأهمية بحيث تحتاج إلى دراسة نستطيع من خلالها تقييم أساليبنا في التخاطب بشكل عام وفي التناصح والوعظ، وهل هي أساليب فعالة أو تحتاج إلى تطوير أو تجريب أساليب جديدة.
المجتمع بحاجة إلى الاتصال الهادئ الفعال المتعقل الذي يجذب العقول والقلوب.