الفن وأهله
هناء حجازي
الفن التشكيلي يبرز في مقدمة الأخبار فجأة، وسط الحروب والاقتصاد وزيارات الزعماء، لماذا؟
لأن السبب ليس بعيدا عن الاقتصاد ولأنه غريب ولأنه يحتوي على الكثير من المال.
آخر خبر من هذا النوع هو بيع لوحة الفنان الأميركي الذي مات منتحرا في سن السابعة والعشرين في العام 1988 جان ميشال باسكيا بمبلغ 110 ملايين دولار.
خبر من هذا النوع جعلني أبحث عن معنى ما يحدث، ولماذا تصل أسعار بعض اللوحات في العالم لهذه المبالغ.
هذه هي اللوحة الأولى لفنان مولود بعد الحرب العالمية الثانية تتخطى عتبة المئة مليون دولار.
لا أعرف إذا كان لهذه العبارة أي دخل بما سأكتب لاحقا عن السبب وراء هذه الأرقام المذهلة لبعض اللوحات في العالم. خصوصا أنها لا تتأثر بالوضع الاقتصادي العام. أسعار اللوحات تتحرك في عالمها الخاص.
هل هي لعبة الأثرياء، أن يصنعوا عالمهم الذي لا يستطيع أحد أن يدخل فيه، ألعابهم التي يتبارون فيها، فإذا كنت لا تملك الموهبة يمكنك أن تشتري تقدير الآخرين بأن تقدر الموهبة بمبلغ خيالي. لكن المسألة ليست تقدير الموهبة وإعلاء من شأن الفن. أم أنها كذلك وقراءتي خاطئة.
هناك ألعاب معينة يحبها الأثرياء، منها هذه اللعبة، شراء لوحات فنية بمئات الملايين من الدولارات. حيث حصولك على لوحة معينة يعني أنك الوحيد القادر على ذلك، لأن بيكاسو أو جوجان أو حتى الأخير باسكيا لن يقوموا من الموت لصنع لوحة أخرى تشبه التي حصلت عليها. وهذه هي المسألة، القدرة على امتلاك شيء فريد، لا يمكن لغيرك امتلاكه.
بالإضافة إلى أن شراء الفن، يعطي الشاري نوعا من الشهرة الفخمة، الشهرة الأنيقة، لأن اسمك في الأخبار سيكون مقترنا بالفنون الجميلة، أرقى أنواع الفنون. هذا لا يعني أن المشتري يفتقد الحس الفني أو الشغف للفن، ولا يعني أيضا أن هناك مشترياً لا يهمه سوى إتمام صفقة مربحة، كل الحالات موجودة. لكن الأساس في رأيي هو اللعبة. لعبة فئة صغيرة من فاحشي الثراء الذين يفرضون أسعار اللوحات في العالم. لوحات معينة تخضع لمزاجهم البحت.
الدليل على ذلك أن هذا ليس حال الفن التشكيلي، هناك الكثير من الفنانين الذين يحظون بسمعة جيدة، لكنهم لا ينالون أسعارا جيدة. وهناك الكثير من الجاليريهات التي تقفل أبوابها لأن الإقبال على الفن لم يساعدها كي تحافظ على أبوابها مفتوحة.
المسألة إذن ليس التقدير المفاجئ للوحة تنتمي للفن التشكيلي. لا يزال العالم بحاجة إلى دعم الفن التشكيلي. لا يزال الفن التشكيلي بحاجة إلى رعاية أشمل وأكثر دواما من خبر طريف عن سعر لوحة في شريط الأخبار. مازلنا بحاجة إلى وضع مناهج تعلمه بطريقة صحيحة، معارض تعرضه بطريقة صحيحة، نقاد ينقدونه بطريقة صحيحة، نحتاج أن يكون في يومياتنا، وليس خبرا طارئا وخفيفا ومبالغا فيه.