الكاتب ليس ناشطاً
هناء حجازي
يقول الروائي الجامايكي الحاصل على جائزة البوكر مارلون جيمس على الكُتَّاب أن يبتعدوا عن أن يكونوا ناشطين. فقد يتحول الكاتب إلى شخص يملي على الآخرين ما يجب عليهم فعله، وهذا قد يدمر الكتابة. على الكتاب أن يقوموا بعملهم وعلى الناشطين أن يقوموا بعملهم. على الكتاب أن يوازنوا إلى أي حد يمكنهم التعاطي مع الأمور المجتمعية.
وتقول الكاتبة في مجلة النيويوركر الأمريكية أريل لفاي: أنا كاتبة ولست ناشطة، عملي هو أن أقوم بتحليل الأمور، التفكير فيها واختبارها.
حين أفكر في الكتاب الكبار الذين عرفناهم عبر التاريخ، أكتشف أننا لا نعرف عنهم سوى ما كتبوه، ما أثر فينا هو الأدب الذي وصلنا منهم، ليست آراءهم السياسية أو مقالاتهم الاجتماعية.
لا أعرف مثلا إذا كان شكسبير في زمانه بوقا للحاكم أو منضما إلى الحزب المعارض، لكني أعرف أنه بالنسبة للعالم أهم كاتب مر عبر العصور، أعرف مسرحياته وأعرف اسماء أبطالها وأعرف لأي درجة من العمق رسم شخصياتها.
أمين معلوف، أحد أهم الكتاب المفضلين لدي، لا أعرف آراءه في السياسة، لا أتابعها ولا أظن أنه يحرص على التصريح بها، لكني أتابع رواياته وأحرص على قراءة كل كتاب يصدره. أعرف آراءه في الحياة، في الهوية، في الحب، في التاريخ.
جين أوستن، الروائية الانجليزية في القرن الثامن عشر والتي أذهلتنا برواياتها الممتلئة بالنقد لمجتمعها في ذلك الوقت، لا أعرف إذا كانت تملأ الصحف بهذا النقد، لكني أعرف كيف تسخر في رواياتها من الزواج القائم على الأعراف أكثر من الحب في زمنها.
ليس مهماً أن يكون الكاتب ناشطا، بالنسبة لي أن يتحول الكاتب إلى ناشط سياسي أو اجتماعي يقلل من قدرته على النظر إلى الأمور بشمولية وتأنٍ.
هناك كتاب صرحوا بتصاريح أرفضها وقفوا في رأيي إلى جانب يختلف مع مفاهيم الحق والحرية التي تدعو إليها كتاباتهم، من وجهة نظرهم ذلك كان الحق، لذلك أرى أن يبتعد الكاتب عن السياسة اليومية، لأنها تتغير، يقلقني أحيانا الحماس الذي يجرف الكتاب للتصريح بأمور حادة، الثقة الشديدة التي يتحدث بها كاتب في أمر ما تقلقني، على مر السنين نتعلم أن الحياة ليست بهذا الوضوح، الشك والتساؤل في كل الأمور هو الطبيعي، او هو لابد من طبيعة الكاتب. هذا بالذات ما دفعني للبحث في مهمة الكاتب، والتي أجدها بعيدة تماما عن مهمة الناشط.
لا يعني ذلك أن الكاتب لا يحمل آراء سياسية، أو آراء واضحة في أمور اجتماعية مهمة، لكني أفضل أن أقرأها من خلال كتبه، أو ربما مقالات رزينة، أكثر من أن أراها في تصريحات نارية في السوشيال ميديا.
ولطبيعة الكتاب المليئة بالشك، لابد ان أقول، انني ربما كنت مخطئة، لكنني أعود وأقول أن هناك كتابا أعشقهم، مثل بورخيس، لهم آراء سياسية أكرهها، وأتمنى لو لم يصرحوا بها.