الوشم

الوشم
تفاصيل صغيرة
الوشم

هناء حجازي
عرف الوشم منذ آلاف السنين، واختلفت على مر الأزمان الأسباب التي دعت الناس لوشم أجسادها، كانت أحيانا طقوساً وشعائر، واحيانا وسماً للدلالة على الانتماء لفئة معينة، الوسم كان أحيانا اختيارياً كما اعتاد البحارة والعاملون في المناجم، وأحيانا إجباريا كما فعل الاغريقيون مع عبيدهم. ينتشر الوشم عند المجرمين في السجون للدلالة على أنهم خارجون على المجتمع والقانون، وعند قدامى المصريين كان يستخدم كعلاج. كل هذه الأسباب قديمة ولا تعني شيئا الآن لمن يشمون أنفسهم اليوم في مختلف أجزاء الجسد، وأعتقد أن الغالبية منهم لا يعرفون تاريخ الوشم في الجسد البشري. لكنه بالنسبة لي سؤال محير أحاول أن ابحث عن إجابته. لماذا ينتشر بهذه الكثافة في المجتمع الغربي، ولماذا تحول من ممارسة مقززة لا تستدعي الاحترام إلى مظهر مقبول غير لافت أو مستهجن.

هل الوشم موضة، وإذا كان كذلك هل ستخفت حدته كما هي عادة الموضات، في الغرب الآن هو في أشد حالاته انتشارا. ليس في الغرب فقط، ربما في العالم، لكنه تحول إلى صناعة، هناك آلاف من الواشمين ينتشرون في كل مكان، هناك الأدوات التي تستخدم وهناك الحبر الذي يصنع خصيصا لهذا الفن، لذلك أعتقد أنه سيبقى طويلا.

تشاهده بكثرة بين المطربين والممثلين، وهو بالنسبة لي أمر غريب، لأن الممثل يجب أن يكون اداة طيعة للتعبير عن الشخصية التي يجسدها، وفي حال الوشم، يحد ذلك من إمكانية أن يقوم الممثل بعمله، لأن الوشم يوضع للتمييز، التفرد، ويعرقل من التماهي مع الشخصية. أليس كذلك.

الرغبة في التميز، إذا كانت هي الدافع لأن يحمل الإنسان وشما على جسده، فكيف يصبح تميزا مع سعة انتشاره. والإنسان الذي يرغب دائما في تغيير ملابسه وأحذيته، ومجوهراته، كيف لا يمل من حمل نقش لا يتغير على جلده. وكيف وهو الذي يهرب من أي علامة يكتسبها جلده بتأثير الشمس أو المرض يذهب طوعا بقدميه إلى دكان الوشم ليحصل على وسم لا يزول.

كان الوشم سائدا عندنا في الماضي القريب، تجده في وجوه النساء، واختفى، كان زينة وعلامة، ولم يعد.

يندر عندنا الوشم، بسبب التحريم، واستنكار المجتمع، لكن الفتيات يستعضن عنه بالحناء، وهي في رأيي مسألة مختلفة تماما، على الرغم من أن الغرب يسميها وشم مؤقت، لأنها صبغة أيضا ربما، ولأنها رسوم على الجلد، لكنها أمر يختص بالنساء، عندنا لا يرسم الرجال على جلودهم، ومن يفعل، من يضع وشما فهو يعلن بوضوح أنه مختلف وخارج على أعراف المجتمع.

في دراسة قام بها علماء اجتماع ألمان لمعرفة الدافع وراء من يضعون وشماً على أجسادهم كانت الاجابات مختلفة، أبرزها، الجمال، الفن، الموضة، التميز، حكاية شخصية، إثبات القدرة على التحمل، انتماء لجماعة، روحانية، مقاومة، اندفاع واشياء أخرى.

الرغبة الدائمة والدفينة لدى الإنسان في أن يفعل شيئا يميزه عن غيره تدفعه لأن يفعل أحيانا أشياء فعلها غيره بذات الدافع. مسألة تبقى غير مفهومة وغامضة بالنسبة لي على الأقل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

رحيل المحتل وشعب مثقل بسم الله الرحمن الرحيم ((و يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين))رحل العام الهجري (1433) وقبل رحيله ترك لنا أملاً براق. أملاً أنتظرناه طويلاً بكل لهفة واشتياق .أملاً يشتاق اليه كل قلب حر تواق . يتوق لخروج المحتل من أرض العراق وذلك بعد أن عاث فساداً لسنين شداد لا تطاق. وواعد شعبها […]

بسم الله الرحمن الرحيم ( عـام التغير العربي 1432هـ) ((قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)) تغير العام الهجري 1432هـ الذي غامر فغيرنا وغادر وتغير عنا بعد أن حط وهيمن على جميع إنحاء المعمورة لمدة أثنا عشر […]

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾ (مرور عام 1431هـ الهجري) مر العام الهجري 1431هـ مروراً سريعاً رغم مرارته وكثيرة قساوته على معظم بني البشر تاركاً خلفه أرثاً ثقيلاً لمن يخلفه من الصراع والعداء وسفك الدماء مابين أبناء الأمم وبالأخص منها الأمة الإسلامية التي كانت لها الحظ الأوفر […]

بسم الله الرحمن الرحيم لاتظلمن أذا ماكنت مقتـدراً فالظلم مرتعه يفظي الى الندم تنام عينيك والمظلوم منتبـها  يدعوا عليك وعين الله لم تنم ودعنا عام 1430 الهجري الذي دعانا ودنا منا ثم دعنا و ودعنا ورحل عنا لا يجد مايحمله معه ألا كما حمله أقارنه البضعة أعوام الماضية في الألفية الثالثة سوى هموم جسام للعالم […]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة بمناسبة رحيل عام الهجري 1429 وقدوم عام هجري أخر يهجرنا ويهاجر عنا فالنهجر المعاصي والنهاجر الى مرضاة الله —– أللهم يامن يسرت لحبيبك المصطفى الهجرة من مكة الى المدينة يسر لنا الهجرة من الذله الى العزة ومن الهزيمه الى النصر ومن الضعف الى القوة ومن التشتت الى الوحدة ومن الأنتقام […]

رغم كل المؤشرات التي كانت توحي بفوز جون كيري في الانتخابات الامريكية ومن اهمها حرب العراق، والبطالة، وارتفاع تكلفة الرعاية الصحية، والسياسة الخارجية ذات الطابع العسكري، وارتفاع اسعار الطاقة. رغم كل تلك المؤشرات إلى جانب الملاحظات المتعلقة بشخصية الرئيس وثقافته، وخبراته في السياسة الدولية. كل ذلك لم يؤد إلى خسارة جورج بوش الابن، فقد أعاد […]