ساراماجو
هناء حجازي
كلما قرأت عملا للروائي البرتغالي ساراماجو، زاد إيماني بعبقريته. هذا ما حدث معي حين انتهيت وأثناء قراءة روايته قصة حصار لشبونة.
لا أعرف كيف ومن أين أبدأ لشدة إعجابي بكل ما جاء في الرواية. فهي تنقلنا إلى عالم بعيد، الى الوقت الذي سقطت فيه لشبونة وانتهى حكم المسلمين فيها بعد حصار طويل. وفي ذات الوقت تعيش في الرواية الزمن الحالي الذي يصف حال بطل الرواية ريموندو سيلفا، والذي لا أعرف لماذا غيره المترجم إلى سيلبا، عموما هناك عدة نقاط أود أن أعود إليها في مسألة الترجمة لاحقا.
حين تقرأ الرواية تفاجأ أن ساراماجو الكاتب البرتغالي يحمل إعجابا ما بالمسلمين في ذلك العهد. وأنه لم يكن شديد الإعجاب بما حدث من تجويع لهم كي يقوموا بتسليم أنفسهم للبرتغاليين. وليس هذا سبب إعجابي بالرواية. ليس التحيز للمسلمين، لكن المثير للإعجاب والإبهار هو عدم التحيز. لم يكن ساراماجو متحيزا لطرف على آخر. التحيز الواضح جدا والذي تستطيع أن تستشفه بوضوح من قراءة الرواية هو التحيز ضد العنف. ضد الحرب. ضد الإذلال. حتى وهو يصف الكلب الهزيل الذي يعيش في منطقة لا يعتني به أحد فيها ولا يجد ما يأكله، تشعر إلى أي حد هذا الكاتب رقيق ويمرر لك كل الأحاسيس التي تهذبك بدون إملاء أو استعلاء.
في الرواية قصتا حب، إحداها في الزمن البعيد، والأخرى في زمن الرواية. تكاد تذوب عذوبة الطريقة التي يكتب بها الحب. الارتباك، الذهول، الحيرة، الفرح، تفجر العواطف، مذهل، هذا أقل ما يمكنني أن أصف به كتابة ساراماجو للحب. لا يمكنني أن أختصر أو أحيط أو حتى أشير إلى مواطن الجمال في الرواية. يمكنني فقط أن أقول إن من لم يقرأها فقد فاته كمية من جمال وعبقرية سيعرف قدرها فقط بعد أن يقرأها.
أتمنى فقط بإخلاص أن تتم ترجمة الرواية مرة أخرى، لأن أسلوب ساراماجو معروف عنه أنه دقيق وصعب، لكن حين يضاف إلى ذلك ترجمة متعبة، تصبح لذة القراءة منقوصة نوعا ما. يحمل المترجم سيرة مهنية رفيعة، لكنني بصدق لم أكن مرتاحة أبدا للكثير من المفردات التي يستخدمها لأنها ليست متداولة لا حديثا ولا قديما. بالإضافة لتغييره لبعض الأمور بزعم أنه يصححها، مثل تبديله لعبارة ساراماجو على لسان برتغالي أيام الحصار أنه يسمع الأذان ثلاث مرات فعدلها لخمس مرات، هذا ما ذكره المترجم في الهامش، مما جعلني أتساءل ماهي الأمور الأخرى التي عدلها ولم يذكرها. لأنني لا أتخيل أن الكاتب الذي بحث في سبب اختيار المؤذنين في ذلك العهد من العميان لا أعتقد أنه سيخطئ في عدد المرات التي يؤذن فيها المسلمون. وأقترح على المترجم أن يدع العبارة كما هي وأن يبحث لماذا كتب ساراماجو هذا العدد بدل تبديله.