طوق الحمامة
هناء حجازي
كتب ابن حزم الأندلسي هذا الكتاب في القرن الحادي عشر الميلادي، الخامس الهجري، ربما كان أول كتاب في العربية يكتب عن الحب، وربما لم يكتب كتاب مثله بعده.
بدءاً من اسمه، المتناهي الرقة، والذي لا نعرف لماذا اختاره، حيث لم يذكر ذلك في ثناياه، لكنه أبدع في تسميته كما أبدع في محتواه. هذا ما جعل هذا الكتاب جذابا ومتداولا حتى يومنا هذا.
وبالرغم من أن ابن حزم الفقيه، الشاعر، الأديب والوزير كتبه وهو في سن الشباب، وقبل أن يبلغ الثلاثين، لكنه ممتلئ بالحكمة ومحاولة استيعاب مفهوم الحب من كل الجوانب. وفي كتاب يتحدث عن الحب لم ينزلق ابن حزم إلى الحديث عن الغرائز وهي مسألة لم تكن مستهجنة، أو غريبة في التراث العربي، لكنه كان يتحدث عن الحب، وهو يعرف بشكل جلي الفرق بين الحب وبين الشهوة، يقول: وأما العلة التي توقع الحب أبدا في أكثر الأمر على الصورة الحسنة، فالظاهر أن النفس تولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المتقنة، فهي إذا رأت بعضها تثبتت فيه، فإن ميزت وراءها شيئا من اشكالها اتصلت وصحت المحبة الحقيقية، وإن لم تميز وراءها شيئا من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة، وذلك هو الشهوة.
أذهلني في بداية الكتاب أخلاقيات وآداب الكتابة عند ابن حزم. يقول: فاغتفر لي الكناية عن الأسماء، فهي إما عورة لا نستجيز كشفها، وإما نحافظ في ذلك صديقا ودودا ورجلا جليلا.
وهذا هو الحب في نظر ابن حزم “الحب أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل”
في باب من أحب بالوصف، يتحدث عن الحب بالوصف دون المعاينة، أو بسماع الصوت من خلف جدار، وذكرني ذلك بالحب الذي يقع الآن من خلال وسائل التواصل بدون لقاء حقيقي أو معرفة حقيقية، ورأي ابن حزم في هذا النوع من الحب “ولكنه عندي بنيان هار على غير أس”.
يذكر ابن حزم في كل باب كي يوثق المعنى الذي أراد العديد من الأمثلة، بما فيها أمثلة من حياته هو، ومن تجربته الشخصية وما صادفه في الحياة ولا يكتفي بما سمع أو قرأ. ربما هذا هو سر سحر الكتاب، أو أحد الأسباب.
” ولقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري، لأني ربيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب، وهن علمنني القرآن، وروينني كثيرا من الأشعار، ودربنني في الخط”
ربما هذا هو السبب الذي جعل ابن حزم قادرا على أن يكتب مثل هذا الكتاب، أنه تربى على أيدي النساء.