رغم كل المؤشرات التي كانت توحي بفوز جون كيري في الانتخابات الامريكية ومن اهمها حرب العراق، والبطالة، وارتفاع تكلفة الرعاية الصحية، والسياسة الخارجية ذات الطابع العسكري، وارتفاع اسعار الطاقة. رغم كل تلك المؤشرات إلى جانب الملاحظات المتعلقة بشخصية الرئيس وثقافته، وخبراته في السياسة الدولية. كل ذلك لم يؤد إلى خسارة جورج بوش الابن، فقد أعاد الشعب الأمريكي انتخابه لقيادته.
كثير من المحللين يعتقدون ان ورقة الأمن التي لعب بها بوش هي التي رجحت كفته على منافسه الذي يتفوق عليه في جوانب كثيرة.
لقد استفاد بوش من احداث سبتمبر واتسم موقفه بالوضوح والحسم في مسألة الأمن، واتخذ القرارات دون تردد وأصر عليها حتى لو اكتشف فيما بعد انها خاطئة. وكما يصفه البعض بأنه قادر على القيادة حتى ولو في الاتجاه الخاطئ.
وفي المقابل فإن منافسه جون كيري حسب بعض المتابعين كان يسمع الناس ما يرغبون في سماعه وليس بالضرورة التعبير عن قناعاته الحقيقية.
وقد كتبت هنا في اغسطس الماضي مقالة بعنوان “ماذا يريد جون كيري؟” وأشرت فيها إلى أن خطاب كيري غير واضح بل يتسم بالغموض والعمومية وعدم القدرة على ايجاد رؤية حاسمة وواضحة.
وذكرت ان الواشنطن بوست انتقدت كيري لأنه لم يوضح ما اذا كان سيشن الحرب على العراق لو كان رئيساً وماذا يعني بعبارة إتمام العمل في العراق، كما اشارت الصحيفة إلى أن مشاريع كيري الرامية إلى وقف نقل الاستثمارات إلى الخارج والارتباط بالصادرات النفطية للشرق الأوسط هي مشاريع غير واقعية.
وكان لصحيفة يوإس اي تودي رأي مماثل حين ذكرت ان كيري لم يبرهن للناخبين كيف سيقود البلاد في القضايا الأكثر إلحاحاً مثل الحرب على الارهاب وكيف يعتزم تسوية الوضع الأمريكي المتأزم في العراق؟ وكان جون كيري اثناء الحملة الانتخابية يتهم الجمهوريين بأنهم يتاجرون بالخوف من أجل الفوز بالانتخابات، ولكن كيري لم يكن واضحاً في تقديم البديل.
وهناك من يفسر فوز بوش لفترة رئاسية ثانية بسبب سيطرة المحافظين الجدد والفكر الأصولي الذي ينطلق منه الحكام الجدد للبيت الأبيض. وهناك من يرجع خسارة جون كيري إلى ضعف حملته الانتخابية مقارنة بحملة الرئيس التي يقودها كارل روف.
وإنه من المثير جداً ان يتغلب فكر على فكر وسياسة على سياسة بتأثير الحملة الاعلامية فعلى الرغم من كل المآخذ والملاحظات على الفترة الرئاسية الأولى لجورج بوش الابن الا انها لم تمنع التمديد له لولاية ثانية.
إن الذاكرة السياسية للعالم تسترجع ان الأربع سنوات الماضية كانت عرضة للنقد خاصة ما يتعلق بالسياسة الخارجية لأمريكا مثل قضية العراق وافغانستان، وتجاهل قضية فلسطين، ورفض التوقيع على اتفاقيات دولية مهمة مثل اتفاقية كيوتو لمكافحة انبعاث الغازات التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض واتفاقية منع التجارب النووية ومحكمة الجزاء الدولية واتفاقية منع انتشار الصواريع الباليستية.
كل هذه القضايا يضاف اليها القضايا الداخلية التي أشرنا اليها لم تكن كافية ليفوز جون كيري في الانتخابات.
هل هي الحملة الإعلامية أم السيرة الذاتية، ام فكر المحافظين الجدد؟.
من الواضح ان ورقة الأمن كانت أكثر الأوراق ترجيحاً وتأثيراً في نتيجة الانتخابات، وهذا يعني ان الحروب الاستباقية التي يتبناها المحافظون الجدد سوف تستمر ونتيجة لذلك تستمر العلاقة المتوترة بين امريكا والعالم.
نريد ان نتفاءل بعصر جديد يسوده السلام والحوار ولا نريد ان نكون مثل المرشح السابق للانتخابات الامريكية ليندون لاروش “يبدو من الواضح انه لو اعيد انتخاب بوش فلن تكون هناك حضارة”.
هل ستتغير السياسة الخارجية وتخفف من طابعها العسكري في الأربع سنوات القادمة؟ هل يعود البيت الأبيض إلى الاعتدال، والحوار، واحترام المنظمات الدولية والعمل في إطارها. هل الفوز بولاية ثانية سيعزز الثقة بالنفس وبالانجازات السابقة وبأنها كانت صائبة ويجب ان تستمر، ام ستكون فرصة للمراجعة وإعادة بناء الثقة والعلاقة الإيجابية الحضارية مع دول العالم؟
اسئلة كثيرة سوف يعرف العالم إجابتها قريباً من خلال مواقع متعددة في العالم، وأهمها موقع فلسطين.