يوم مثالي
هناء حجازي
في الفيلم الكوميدي الدرامي يوم مثالي، الذي أخرجه المخرج والكاتب الأسباني فرناندو ليون دي أرانوا، يمكنك أن تفهم بشكل ساخر كيف يمكن للحرب أن تعقد أبسط الأمور، أو أن تخلق حالة من البؤس الذي يتجاوز قدرتك على ازدراء الوضع كي يوصلك إلى حالة من الشك في قدرة الإنسانية على الفهم أو التصرف بأدنى منطق.
الفيلم يصور أحداث يوم من أيام حرب البوسنة والهرسك في أواخرها، حيث أسقط أحد جانبي الصراع جثة في بئر في قرية كي يتعفن الماء، كوسيلة من وسائل الحرب. وفريق منظمة إنسانية تدعى غوث عبر الحدود يحاول أن يرفع الجثة من البئر قبل أن تحدث الكارثة لأنه أصبح البئر الوحيدة المتوفرة لأن هناك بئرين أخريين في المنطقة تم زرع الألغام بهما.
المفارقة أن العثرة التي تواجه فريق الإنقاذ هي الحبل. انقطع الحبل الذي لديهم ويمضون اليوم يبحثون عن حبل. تبدو مهمة بسيطة وتافهة لكنهم يواجهون شتى الصعاب للعثور على هذا الحبل خاصة في منطقة حرب، مثلا يرفض أحد البائعين بيع الحبل لهم، لأنه من الجهة المعادية.
من الأساليب البدائية التي يعرفك عليها الفيلم والتي تستخدم في الحرب هي وضع بقرة ميتة في الطريق يضعون حولها أو تحتها لغم، فإذا حاول أحد تحريكها أو السير حولها ينفجر فيه اللغم.
في هذه الأوضاع تنشأ السخرية والإحساس بالرغبة في العبث أحيانا. والأبطال الذين وفق المخرج ببراعة في اختيارهم لأداء هذا الدور هما بينيكيو دل تورو تيم روبنز، حيث الأداء الساحر الذي يوصل لك قمة الشعور بالحزن الذي تخلقه الحروب لكن بدون عويل أو صراخ على العكس تشعر بقسوة الحياة ولا معقوليتها وأنت تضحك، تمسح دمعتك بينما ترتسم ابتسامة على شفتك. هذه الطريقة في الدراما هي ما نفتقد.
الاعتناء بالتفاصيل الصغيرة التي يسربها الفيلم كي تكتمل الصورة. الولد الذي يرافقهم كي يحصل على كرة تركها في بيتهم الذي خرج منه إلى بيت جده بسبب الحرب، ينتظر والديه اللذين قيل له إنهما ذهبا إلى بلدة أخرى، والتي يكتشف الفريق لاحقا أنهما قتلا في دارهما، الولد لا يعرف ويحصل على الكرة التي جاء من أجلها، هذه ربما أكثر لحظة درامية في الفيلم، وبالرغم من ذلك لا يرينا المخرج الجثث، بل طرفها وهي معلقة في مشنقة. وسط هذه الأحداث الشديدة الدرامية، وبينما يتجولون في المنزل قبل رؤية الجثث، تقوم صوفي، المصاحبة لمامبرو، فريق الإنقاذ، بتعديل وضع صورة لأصحاب المنزل، الصورة عبارة عن زوج وزوجة وبينهما طفل.
هناك بعض اللقطات التجارية، هناك بعض الأحداث التي أدخلت في الفيلم كي تكسبه بعض الشعبية وتجعله جذابا، كشخصية كاتيا التي كانت على علاقة سابقة بمامبرو. لكن في فيلم يحمل كل هذه القدرة على أن يصور لك ماذا تعني الحرب بدون تصوير مشاهد حرب. أستطيع أن أتغاضى عن هذه اللقطات.