«الرجل المناسب في المكان المناسب». كان لابد أن يضاف لهذه المقولة شرط ثالث لتصبح كالتالي: «الرجل المناسب في المكان المناسب في الزمن المناسب» لكي تليق بالإنسان موضوع هذه المقالة وهو الدكتور محمد بن اسماعيل آل الشيخ سفير المملكة حالياً في باريس. فهو رجل يليق بالمكان والزمان معاً، ليس لأنه متخرج في واحدة من أفضل الجامعات الفرنسية وفي ميدان القانون والحقوق، وليس لأنه أكاديمي متميز، ولكن لأنه قبل هذا وبعده وفوقه «إنسان» بكل ما تعنيه هذه الكلمة من نبل وتواضع وعفة وأنفة ووفاء.
عرفنا قبله الشيخين جميل الحجيلان وفيصل الحجيلان، وهما رجلا دولة ودبلوماسية من طراز رفيع، ومثّل كل منهما بلادنا في فرنسا بحكمة ومعرفة وحنكة الكبار. وكان لكل منهما أسلوبه الخاص وشخصيته المتميزة وكان بيت كل منهما امتداداً للسفارة وملتقى حميمياً لأصدقاء المملكة من فرنسيين وغيرهم في معظم المجالات، ولابد أن في ارشيف السفارة ووزارة الخارجية ما يحفظ لكل منهما دوره التاريخي في فترة تمثيلهما للمملكة أثناء عملهما في باريس، علاوة على ما في ارشيف الدوائر العليا الفرنسية المعنية ممثلة في قصر الأليزيه، ووزارة الخارجية وغيرها.
رحل كل منهما إلى موقع آخر، وخلّفا إرثاً رفيعاً من العلاقات الوطيدة والعميقة، بين المملكة وفرنسا، واستلم الدكتور محمد آل الشيخ هذا الإرث بجدارة، هو الذي لا ينتمي لذلك الجيل من الرجال الذين صنعوا المملكة، لكنه جاء من سياق إنساني نادر، ووضع بعفوية مطلقة هذه الصفة وهذه الثروة الإنسانية في مقدمة أي عمل أو أي قرار اتخذه ويتخذه إلى الآن، ومنح الدبلوماسية وجهاً بريئاً نادراً ما تراه في أروقة الدبلوماسية ودهاليزها.
صحيح أنه حفيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وصحيح – شئنا أم أبينا – أن ما يسمى بالوهابية أصبح جزءاً من الخطاب السياسي والإعلامي المعاصر، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وليس خافياً أبداً على وسائل الإعلام الفرنسية هذا الانتماء، الذي حاول بعضهم في البداية سراً وعلناً توظيف هذه العلاقة بين السفير وجده، وما إذا كان تعيينه تكريساً لما يسمّونه التطرف الإسلامي.
لكن محمّداً خرج من هذه الأسئلة بسلام، وذلك بهدوئه وسكينته وإنسانيته، وتتمثل هذه الصفات في علاقاته بالسعوديين المقيمين في فرنسا والقادمين إليها، حيث يرعى كلاً منهم كما لو أنه أخوه أو أبوه أو أخته أو أمه، وفتح باب التوظيف للسعوديين، بحيث أصبح في الإمكان أن تؤخذ السفارة نموذجاً لما نسميه بالسعودة.
بقي أن أشير الى أنني لم أره إلا مرتين أو ثلاثاً. وأنني لم أكتب إلا ما سمعته من الآخرين سعوديين وغيرهم. وأنني والزملاء في مكتب «الرياض» مازلنا محافظين على تلك العلاقة المهنية الرفيعة التي تربطنا بالسفارة، بحيث لم نتحول في يوم من الأيام وفي العهود الثلاثة الى ملحق للسفارة أو رهينة لها كما هي الحال لدى كثير من الصحفيين العرب وغيرهم. الذين لا ينطقون إلا بما تشاء سفاراتهم.
وعندما أقول الأخ السفير، فإنني أعني ذلك تماماً، وليس كما هو مفروض في لغة بعض الأنظمة العربية التي تعرفونها والعياذ بالله. لأنه أخ بالفعل ومن أراد منكم شيئاً في فرنسا أو غيرها فليجرّب، وسيعرف ما إذا كان هذا المقال نزيهاً أم لا.